-A +A
جولة وتصوير: بدر الغانمي
حاولت أن ألتقي خليهنا ولد الرشيد رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية مرتين أثناء قيامي بهذه الجولة ولم أتمكن لوجوده في الزيارة الأولى بمفاوضات مانهاست الثانية ولسفره في زيارتي الثانية خارج المغرب الأمر الذي اضطرني لمحاورته عبر الهاتف منتصف هذا الأسبوع بحثا عن حقيقة الموقف المغربي ومستقبل المفاوضات التي ستنطلق جولتها الثالثة في مانهاست بنيويورك مطلع العام القادم .. حرص الرجل على انتقاء مصطلحاته بشكل دقيق وأوضح أن حل المسألة كلها يعود إلى الشقيقة الجزائر التي تستطيع أن تدفع جبهة البوليساريو نحو الحل المنشود وإنهاء هذا الملف الطويل .. وجدد دعوته لرئيس جبهة البوليساريو للعودة الى المغرب والتوبة مما فعل .. واعترف بوجود أخطاء نتيجة المقاربة الأمنية في الماضي .. ونفى وجود علاقة بين المغرب وحركة خط الشهيد المنفصلة عن البوليساريو مشيرا الى ضرورة التفريق بين البوليساريو كقيادة وجبهة.
بطء المفاوضات

بداية.. لازالت مفاوضات مانهاست في جولتيها الأولى والثانية تسير أبطأ من السلحفاة الأمر الذي يجعل التشاؤم محيطا بالجولة الثالثة التي ستعقد هناك أيضا..؟
- لا.. أنا لست متفقا معك فالمفاوضات خلال الجولتين السابقتين تسير بسرعة ممكنة وحسب الأصول بحثا عن حسن النية, ولم تكن سيئة كما يراها الملاحظ الذي لم يحضر المفاوضات.. فمجرد الرغبة في حضور المفاوضات والمشاركة فيها والتعبير عن الرغبة في التواصل مع هذه المفاوضات أمر جيد ومن ثم فان الاستعجال في الوصول الى نتيجة بعد جولتين فقط أمر غير مقبول في الأصول الدبلوماسية.
وماهو سقف تفاوضكم مع البوليساريو؟
- المملكة المغربية تتفاوض على سقف الحكم الذاتي تحت السيادة والوحدة الترابية المغربية.
هناك من قال أنه قد يمتد ليصبح حكما ذاتيا موسعا؟
- لايوجد شيء من هذا وهذه عبارات صحفية ليس لها أي أساس في القانون الدولي.
ألا تتخوفون أن يؤسس الحكم الذاتي للصحراويين خطابا احتجاجيا لدى بعض الأقاليم المغربية كالأمازيغ مثلا؟
- لانتخوف من هذا الجانب إطلاقا فالدولة المغربية التي مرت على 14 قرنا من الزمان بما فيها من أزمات وحروب أهلية وفتن قبلية وتداخل أجنبي لايمكن أن يؤثر عليها الحكم الذاتي فيما يتعلق بصلابة الكيان المغربي.
يخافون الوحدويين
لماذا ترفض البوليساريو وجودكم شخصيا ضمن الوفد المغربي المفاوض؟
- هذا شأنهم والذين يرفضون وجودي منهم لايمثلون إلا 20% من الصحراويين وهم لايريدون أي طرف له جذور صحراوية وحدوية لأنه يصعب مهمتهم كثيرا وهذا من المؤاخذات التي نوجهها لهم بأنهم اقصائيون والبوليساريو لاتقبل أن تخاطب الا من يوافق خطها وخصوصا من الصحراويين الذين يخالفون البوليساريو في أطروحاتهم حتى في عهد الاستعمار الأمر الذي يؤكد أنها حركة لينينية شمولية.
الانتقادات طالت المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية بأنه لايمثل الصحراويين أيضا كون جميع أعضائه معينين؟
- لم يكن المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية والمسمى اختصارا بـ(الكوركاس) جمعية تمثيلية وإلا لقرر الملك محمد السادس ذلك بأن يكون مؤسسة منتخبة مثل البرلمان وإنما هو مجلس ملكي معين يمثل المجتمع الصحراوي حسب التقاليد العرفية ومبني على معايير ومقاييس أساسية بحيث لايعين فيه إلا وجهاء القبائل الذين يمثلون قبائلهم حسب النسيج العمري وهو لايمثل الحكم الذاتي أيضا, وتلاحظ أن الأمريكان في العراق لجأوا إلى العرف للتواصل مع القبائل العراقية وأنشأوا (الصحوات) والعرف كما في الخليج ومناطق أخرى من العالم العربي يكون دائما أقوى من العملية الانتخابية.
التوبة وتقبيل اليد
عرضتم على رئيس جبهة البوليساريو محمد عبد العزيز التوبة وطلبتم منه أن يقبل يد الملك ليعود إلى المغرب وقلتم ان الفرصة أمامه مفتوحة ليرأس الحكم الذاتي في الصحراء.. ألا تعتقد أنك تطلب المستحيل؟
- أولا التوبة واجب ديني للمسلمين و “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” والاعتراف بالخطأ فضيلة ومحمد عبد العزيز إنسان مغربي والدليل على مغربيته أن أباه عضو في (الكوركاس) والله سبحانه وتعالى يقول (ادعوهم لآبائهم) وعندما قلت ذلك لم أكن مخطئا لادينيا ولا تاريخيا وإنما دخل محمد عبد العزيز في زوبعة سياسية لأسباب تاريخية وهذا ليس بجديد على المغرب الذي شهد نظام معارضة للحكم الملكي ثم عادت إلى الطريق بعد ذلك, ومازلت أقول له ذلك أما فيما يتعلق بتقبيل اليد فهذا خاضع لطقوس الطاعة والولاء في المملكة المغربية.
لو افترضنا أن البوليساريو قبلت بالحكم الذاتي تحت الضغوط فهل سيقبل المغرب عودتهم بسلام إلى أراضيهم؟
- ولم لا إذا كان أكبر قائد عسكري للبوليساريو الحبيب أيوب يعيش اليوم في المغرب, كما أن وزير خارجية البوليساريو السابق إبراهيم حكيم هو سفير في المغرب إضافة إلى أن عمر الحضرامي رئيس جهاز الأمن بجبهة البوليساريو هو كذلك عين محافظا في المغرب, فالتصالح عندما يأتي يجعلنا ننسى الماضي لأن الخلاف سياسي ونحن كلنا عائلة واحدة والأبواب مفتوحة لكل الإخوان في البوليساريو لتحمل جميع مسؤولياتهم كما أنه لم يقع شيء من قبل.
لاتهميش للوحدويين
ولكن بعض العائدين من البوليساريو ممن أصبحوا وحدويين يشعرون بالتهميش وعدم تقدير دورهم والذي قد يكون مؤثرا في الحوار التفاوضي الدائر الآن مع البوليساريو؟
- هذا غير صحيح فالقياديون الذين عادوا للمغرب وكانوا مع البوليساريو يتحملون مسؤولية كبرى داخل المملكة المغربية لأنها تعتبرهم أبناء لها ولا تحاسبهم بما قاموا به في الماضي وهناك من يتحملون مسؤوليات سياسية وقيادية ولكن بعض الأشخاص العائدين يختلط الأمر لديهم بحسب الأدوار فتسيير دولة يختلف عن تسيير منظمة أيا كان موقعه فيها.
الاعتراف بالأخطاء
لازالت المعالجة الأمنية في المدن الصحراوية تثير ردود أفعال تدفع بالتوتر الدائم في العلاقة وتجعل من قبول فكرة الحكم الذاتي أمرا مستبعدا لأبناء هذه الأقاليم؟
- مما لاشك فيه أن الأخطاء في الماضي كانت موجودة والمغرب من الدول القليلة مع جنوب إفريقيا الذي اعترف بهذه الأخطاء سواء مايتعلق بالاختطاف والظلم والتعسف في هضم الحقوق والقتل وكل هذه الأشياء وكانت هناك لجنة محايدة وتمت مصالحة مبنية على الدين الإسلامي وعلى القانون الدولي حيث اتبع أسلوب التعويض المادي والمعنوي وهذا في حد ذاته نقد ذاتي ووقع في الصحراء نفس الشيء, لكن بعد تشكيل المجلس الملكي الاستشاري تم ضمان حرية التعبير والكتابة والفكر وبقي اللجوء إلى العنف الشيء الوحيد المرفوض ولا توجد دولة عضو في الأمم المتحدة تقبل أن تقوم جماعات بالعنف داخل ترابها والمس بالمصالح العامة والخاصة وكل من يحترمون هذه المقاييس يعيشون حياة سعيدة بمن فيهم الذين يدافعون عن أطروحة البوليساريو في الجنوب سلميا فلا يقربهم أي أذى وهؤلاء يسافرون بجواز سفر مغربي وينتقلون بين العيون والسمارة والداخلة ويجولون ويصولون في العالم وهم يشتمون المغرب ولكنهم يرجعون إليه ونعتبر أن ماقاموا به حرية تعبير, لكن إذا لجأوا إلى العنف المادي فان هناك قانونا يطبق عليهم.
هل لديكم سجناء سياسيون من البوليساريو؟
- لايوجد لدى المغرب أي سجناء للبوليساريو, وقد تم في اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991م باشراف الأمم المتحدة ان تعطلت الجبهة كثيرا في إطلاق سراح السجناء العسكريين المغاربة لمدة طويلة وارتكبت أخطاء كبيرة بحقهم وعذبتهم تعذيبا معنويا وجسديا ليس من عادات الصحراويين أن يقوموا به أبدا ولكنهم تحت تهديدات الأمم المتحدة قاموا قبل سنتين بتسريح الجميع والآن لايوجد لدينا سجناء سياسيون ومن هم في السجن ارتكبوا أعمالا ممنوعة في القانون وليست لأسباب سياسية.
وكيف تفسرون ماحدث في الجامعات المغربية من تصادمات؟
- كل من تظاهر سلميا لم يمسه أذى, أما الذين لجأوا إلى القنابل الحارقة وأتلفوا سيارات الأمن وممتلكات عامة أو خاصة سواء كان صحراويا أو من سكان الدار البيضاء او فاس أو كان أجنبيا في المغرب فان القانون يعاقبه على ذلك.
نضج البوليساريو
قلتم بعد مفاوضات الجولة الثانية أن البوليساريو بحاجة إلى الوقت لينضج قرارها.. ماذا تقصد؟
- هناك أمر يجب توضيحه أولا وهو أن جبهة البوليساريو جبهة شمولية وموروثة من بقايا الحرب الباردة وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي فان كل الأحزاب الشيوعية أو المشابهة لها انهارت في العالم وظلت البوليساريو المنظمة الوحيدة التي مازالت منظمة لها قرار وحزب وتفكير واحد والدليل على ذلك أن محمد عبد العزيز تم تعيينه أمينا عاما منذ عام 1976م ومازال الى الآن وهذا لوحده يدلك على نوعية المنظمة .. وهي حليفة لحليفها لأنها توجد على التراب الجزائري والجزائر تمولها وتحتضنها وتدافع عنها وتوجهها وهي مدينة للجزائر في كل شيء.
موقف الجزائر
هذا يعني أن البوليساريو لاتفاوضكم بقرار مستقل؟
- ليس بعد ونحن نأمل أن تستقل عن الجزائر.
ولكنكم تأملون من خلال هذه المفاوضات أن يأتي الدعم من الجزائر؟
- بدون شك لأن ما يوجد بين المغرب والجزائر الشقيقة من روابط قوية ومتينة لاتنفصل يجعلنا نأمل أن تنضج الجزائر وأن تتنازل عن الصراعات العقيمة التي لاتؤدي لشيء, وهذا الصراع لم يغن الجزائر عن الحرب الأهلية والإرهاب ولم يساهم في تنميتها بقدر ما كان هدرا للإمكانيات والجهود وبوابة للأجانب للتدخل في شؤون بلادنا.
هل ترى أن وجودكم على رمال متحركة سبب في عدم ملامسة المشكلة الحقيقية حتى الآن في المفاوضات؟
- يمكن أن يكون النزاع على رمال متحركة ولكن بالنسبة لنا في المغرب فانه على أرض ثابتة.
الاستفتاء غير ممكن
كيف ترون مستقبل الاستفتاء في الصحراء؟
- هذا أمر غير ممكن وقد لجأت الأمم المتحدة لهذا الأسلوب الذي تطالب به البوليساريو والجزائر لكنها تناست صعوبة تطبيقه واختارت نمطا لم يكن موجودا من قبل اسمه تقرير المصير عن طريق الاستفتاء المبني على تحديد الهوية وفشلت بسبب أن الحدود القائمة حاليا ليست حدودا طبيعية لأن مايسمى بالمجتمع الصحراوي مقسم بين أربع دول مجاورة سبق للاستعمار الفرنسي والاسباني أن خطط حدودها بطريقة تعسفية لاتخضع لأي معيار عقلاني.. فالصحراويون موجودون في المغرب وهم الغالبية كما يوجدون في الجزائر من بشار إلى الحدود الموريتانية مرورا بتندوف, ويوجدون في شمال غرب موريتانيا وكل مدنها وكذلك يوجد الصحراويون في شمال مالي وما أقصده هو القبائل الحالية من الرقيبات والتكنا وأولاد دليم وأهل بارك الله والشيخ ماء العينين والسباع وغيرهم وهؤلاء فرقهم الاستعمار بخطوط مستقيمة ولهذا لايجوز عمل استفتاء لتحديد الهوية إلا إذا غيرنا الحدود وخلقنا مجالا جغرافيا جديدا ليغير وجه هذه المنطقة من القارة الإفريقية وهذا غير ممكن ومن ثم فهذا الاستفتاء غير قابل للتطبيق لا تقنيا ولا سياسيا.
هل هناك تقبل لفكرة الحكم الذاتي من قبل البوليساريو؟
- نحن أمام وفد من البوليساريو لايعرف شيئا عن لغة التراضي ولايعرف أن أصول التفاوض تعني التنازل عن سقف الأشياء للوصول إلى حل وسط ونتمنى مع الوقت أن تنضج البوليساريو لتصل الى هذه النقطة.
لماذا تفرقون بين البوليساريو كقيادة وجبهة؟
- الجبهة هي كل من يوجد في مخيمات تندوف بينما القيادة مجموعة من الناس تنسق مع الجزائر وحسب تجربتي الشخصية وأبناء عمي الموجودين في هذه المنطقة فان الهدف لمن يعاكسون الوحدة المغربية ليس فقط حل مشكلة الصحراء وإنما بقاء الأشياء على ماهي عليه.
خط الشهيد
هل اتصلتم بحركة الشهيد بعد انفصالها عن خط البوليساريو؟
- نحن على علاقة مع كل إخوتنا في المخيمات وليس حركة الشهيد فقط ولا نمل من مخاطبتهم دائما.
هناك من يرى أنها صنيعة مغربية؟
- هذه أكذوبة وليست حقيقة.
مامدى تفاؤلكم قبل الجولة الثالثة المقررة في مانهاست أيضا؟
- نحن سنجتمع في دورتنا الثانية هذه السنة في 18و19 ديسمبر بمدينة السمارة وهو الاجتماع الذي يأتي تزامنا مع مؤتمر جبهة البوليساريو الثاني عشر وسنكون قريبين منه وسنتناول موضوع الحكم الذاتي كحل نهائي لتحقيق المصالحة والعودة الكريمة ونأمل أن تنضج البوليساريو بما فيه الكفاية لتحقيق التصالح داخل المفاوضات والوصول الى أحسن اتفاقية ترضي جميع الأطراف ولن نمل من ذلك.
ألا تتخوفون من العودة إلى الحرب؟
- نتمنى ألا نعود إلى الحرب ولكن الحرب لاتأتي بحل فهي مصيبة وأمر جربناه لمدة 16 سنة وجربته البوليساريو بالدبابات المتطورة والصواريخ وحافلات الجنود وكل الأسلحة وكانت النتيجة كارثية عليهم وعلينا وعلى كل الناس.